مس جنون ....
* * * * * *
كانت تلك المرة الاولى التى تحمل الىّ ازهارا ,
باقة من الورود الحمراء و البيضاء تماما كما احبها انا , كنت تعبر الطريق نظرت فى
الجهة المقابلة و جدتها هى , فتاتك التى كُتبت على اسمك , و فجأة تحول كل شئ امامى
الى سواد قاتم , أخر ما جاءت عليه عيناى هو مشهد الدم الذى سال من حولك و كنت
غارقا به , وقعت مغشيا علىّ , و لا أعلم ما الذى حدث لك ..
الحب بيننا ,, شئ صادق مختلف تماماً , و كانت
الحياه بيننا اشبه بالجنون , احبك و تحبنى و لكن لا نعترف بذلك علناً و هى ايضا
تحبك و انت تحبها و لكن المجتمع يعترف بعلاقتكما , دائرة الحب الثلاثية التى
لطالما اعتدنا عليها فى الروايات , و لا اعلم كنت انا المظلومة ام انا الفتاه التى
ظلمتك بحبها لك . , لا اعلم شيئا سوى اننى احبك بل اعشقك , قبلت بذلك الوضع لانه
معك انت , أخفيت ما بقلبى و قبلت ان نصبح اصدقاء .
أصدقاء ؟!! , و لكن كيف يتحول الامر فجأة بيننا ؟!
, كلما تقابلنا ننسى اننا مجرد أصدقاء , و كأن روحنا عالقة بلحظات أخرى , كأن
الزمن توقف عند تلك اللحظة التى تجمعنا , و كأننا نلتقى فى عالم آخر , عالم انت
فيه مِلكى أنا وحدى , لا أحد يشاركنى بك , كان ذلك عالمى المفضل , لذلك كنت دائما
اتشوق رؤيتك لزيارة ذلك العالم الذى تحوم به روحنا .
أصبت بالجنون , كنت فى المشفى تائهة لا ادرى فى اى
زمن نحن و لا حتى فى اى مكان , كلما سمعت
اسمك أصب جم تركيزى على الكلام و اتحدث بكلمات غير مفهومة , كنت اذكر مواقف اخرى
من حياتنا , كأننى انفض من عقلى مشهد الدم و حقيقة انك انت من كان مغطى بدمائه
امامى .
يوم أتى الىّ صديقك ليخبرنى انك فى حالة خطرة كنت
اتفوه بكلمات مبهمة ..
حسام .. اين هو ؟ , لما لم ياتى لزيارتى ؟ . كيف
يعلم اننى مريضة ولم يسال علىّ , ربما كان منشغلا , او ربما قد اتته سفرية مفاجئة
, و لكن اجازته بدأت امس من المفترض ان يقضى ذلك الشهر فى اجازته معى , او مشتتا
بينى و بينها , و لكن لما لم يتصل بى ؟ , اهو بخير ؟
و كان رد صديقك على اسألتى المتلاحقة ايماء الشفاه
و تبادل نظرات الشفقة بينه و بين الطبيب الذى يتابع حالتى , أصبت بالجنون , صدمة عصبية
حادة نتيجة لرفضى الواقع الذى يجتاح حياتنا الان , فعقلى يأبى ان يعترف بحقيقة انك مصاب بأى أذى , فقد كنا امس
سويا و اليوم تفرقنا الطرقات .
افقت انت من غيبوبة دامت خمسة ايام و كسور منتشرة
فى انحاء جسدك لم تتعافى بعد , لم تتحدث الى احد فقط ذكرت اسمى و لم تذكر معه اى
تفسير , فقط كنت تردد اسمى بالرغم من انك لم تكن فى كامل وعيك و لكن ربما كان قلبك
هو من يتحدث لانه ان تحدث عقلك سيخبرك ان تسال عليها هى و ليس عنى انا .
عندما جاءك صديقك سالته عنى و كررت السؤال اكثر من
مرة
" اين هى ؟ , هل حدث شئ لها ؟! . . كيف تعلم
اننى فى هذا الوضع ملقى بالمشفى و لم تاتى لزيارتى ؟؟!! كيف تعلم اننى بحاجة لها
ولا تأتى الىّ ؟! , اعتادت ان تشعر بى دون ان اتحدث , لا تغفل عيناها و انا مستيقظ
ابدا , لا تفعل شيئا إلا و أخبرتنى به , و لا تنقضى اجازة إلا و كانت هى الوحيدة
التى اتتوق شوقا لرؤيتها , كانت هى روحى التى تنبض فى تلك الحياه , هل حدث شيئا
لها ؟ , هل هى بخير ؟ , اجبنى ؟ "
عندما علمت انه اصابنى مس الجنون اخذت تصرخ , كنت مُصر
على ان ترانى , اردت ان تاتى الىّ , كنت تتحدث فى همجيه شديدة تصرخ بكل من حولك و
لا تستمع لاحد , اما انا فقد رفضت ذلك الواقع و عدت للخلف بذاكرتى و حذفت مشهد
الدم منها , كنت انتظرك ان تاتى من اجازتك فاستقبلك بباقة الورد و قطع الحلوة التى
اعدتها خصيصا لك , كنت انتظر ان تضغط على يدى و تحتضنها كانك تخبرنى انك بخير و
تطلب منى ان اعتنى بنفسى فى غيابك , كانت لمستك لاصابعى اخر مرة منذ ثلاثة اشهر
تقريبا , قبل ان تسافر مباشرة كنت اودعك فى موقف الاتوبيس , حملت يدى بين كفيك و
ضغطت عليها و انت تنظر فى عينى , اخبرتنى انك تحبنى , اخبرتك انى ساظل احادثك حتى
تصل الى موقع عملك كنت تطلب منى ان اذهب الى النوم و لكن كيف انام و انت ما زلت مستيقظ
, كيف ينام جسدى و روحى معلقة بك ؟
فى اليوم التالى جائنى صديقك , اخبرنى انك بحاجة
لرؤيتى , اخبرنى انك فى المشفى , لم اصدقه , اخذت اصرخ و اصرخ , وضعت يدى على اذنى
و انتفض جسدى فى فزع شديد , كنت اردد كلمات ارعبتنى و جعلت دموعى تنهمر بغزارة .
" انه بخير , لم يحدث له شيئا , و لكننى رايته و هو غارق فى دمائه , لا لم يصبه
شيئاً ! , هو بخير , لا ليس بخير , كيف
يعلم اننى هنا مريضة و لم يأت لزيارتى , لم يتصل حتى بىّ ؟ , كيف ؟؟!! , اعتدنا ان
نتصل ببعضنا يوميا , حتى حينما يكون منشغلا جدا يرسل إلىّ رسالة نصية يخبرنى انه
بخير, مر اسبوع و لم يتصل بىّ , اصابه
مكره .. من المؤكد اصابه مكروه . لا لا , لم يحدث له شيئا . "
أخذت أصرخ و أصرخ و لا أعلم ما اتفوه به , هل انت
بخير و خيالى هو من نسج مشهد الدم , أم ان ذلك حقيقة و عقلى يرفض أن يصدقها , قلبى
لا يتحمل حقيقة انك بعيد عنه .
اصطحبنى صديقك و ابى اليك , أخبرونى انك تنتظرنى فى
نفس المكان عند موقف الاتوبيس , و لكنهم اخذونى الى مستشفى , بمجرد ان وصلنا الى
تلك المستشفى تيبس جسدى , وقفت و ارتعش جسدى " لما يحملانى إلى هنا ؟! , فأنت
تنتظرنى , من المؤكد انك وصلت الى القاهرة الأن " , اخذت أصرخ و انا اتشبث
بذراع والدى , اخبرنى انك بخير و لكنك تريد رؤيتى , كنت كالتائهة , وجدت والدتك
تقف أمامى , أخذت تنظر إلىّ متعجبة من تصرفاتى , كنت غريبة الاطوار , عندما سَألتنى
عن احوالى لم اجبها كما يجب , قلت لها " حسام سياتى اليوم , تحدث معى صباحا و
اخبرنى انه على وشك الوصول الى القاهرة , ساذهب لانتظاره , اريد ان اكون اول من
يراه " .
و بعدما اخبرها صديقك بما حدث لى و ان الجنون
اصابنى انهمرت دموعها على حالى و حالك , لم تكن تتوقع اننا نحب بعضنا الى هذا الحد
, كنا نكابر و نقول اننا مجرد صديقين فقط و ما تخفيه قلوبنا يختلف تمام عن واقعنا كان
كل منا يملك حياه خاصه به , انا مع وحدتى و دراستى و حياتى و انت بين عملك خارج
القاهرة و خطيبتك و عائلتك , و كنا اصدقاء , فقط اصدقاء و لم يعترف اى منا بحبه
للاخر , و لكن عندما تحدث القلب تحدث بما لا تهواه العقول .
حملت نفسى و دخلت الى غرفتك , كنت نائماً و هناك انابيب
صغيره شفافة متصلة باوردتك , اقتربت اكثر , لا اعلم كيف شعرت بوجودى فنظرت الىّ و
ابتسمت , وجدتنى القى بفسى فى احضانك , اخذت ابكى و انا اتفوه بكلمات غير واضحة , رفعت
راسى و وضعت يدك على فمى , اخبرتنى ان اصمت , لا حاجة للكلام الان فقلوبنا وعيوننا
تتحدث , تحسست وجهك كاننى أراك للمرة الأولى , ثم ساد الصمت بيننا , فقط تلك
النظرات التى تعبر عن كل شئ , و الدموع التى تنهمر من عينانا كأنها تخبرنا انها
مجرد لحظة و ستنتهى عاجلاً ام آجلاً .
ما أصعب الحب حين يصبح الاعتراف به شيئا مستحيلا ,
و لكن ربما تعترف القلوب بما لا تهوى العقول
مرت ايام و تعافيت انت و اعدت انا الى صوابى ,
اخبرتك ان كل شئ يجب ان يعود كما كان , انت تعود الى حياتك و انا اعود الى حياتى ,
و نعتبر ما حدث مجرد مس جنون ..
فهذه هى حياه الواقع التى نعيشها , و انا لن ارضى
ان اظلمها معى و لن اظلمك , نعم احبك و ربما تكون المرة الاولى و الاخيرة التى
ساعترف لك باننى اعشقك, و لكن الحب لا
يعنى الانانية , يكفينى ان اراك سعيدا و مرتاحا فى حياتك و ساكون سعيدة .
هكذا هيا حياتنا مجرد لحظات جنون , لقاءنا جنون و قربنا
جنون و حبنا جنون , حتى فراقنا مجرد مس جنون .
حنان محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق