السبت، 4 أكتوبر 2014

مس جنون

مس جنون ....
* * * * * * 
كانت تلك المرة الاولى التى تحمل الىّ ازهارا , باقة من الورود الحمراء و البيضاء تماما كما احبها انا , كنت تعبر الطريق نظرت فى الجهة المقابلة و جدتها هى , فتاتك التى كُتبت على اسمك , و فجأة تحول كل شئ امامى الى سواد قاتم , أخر ما جاءت عليه عيناى هو مشهد الدم الذى سال من حولك و كنت غارقا به , وقعت مغشيا علىّ , و لا أعلم ما الذى حدث لك ..

الحب بيننا ,, شئ صادق مختلف تماماً , و كانت الحياه بيننا اشبه بالجنون , احبك و تحبنى و لكن لا نعترف بذلك علناً و هى ايضا تحبك و انت تحبها و لكن المجتمع يعترف بعلاقتكما , دائرة الحب الثلاثية التى لطالما اعتدنا عليها فى الروايات , و لا اعلم كنت انا المظلومة ام انا الفتاه التى ظلمتك بحبها لك . , لا اعلم شيئا سوى اننى احبك بل اعشقك , قبلت بذلك الوضع لانه معك انت , أخفيت ما بقلبى و قبلت ان نصبح اصدقاء .

أصدقاء ؟!! , و لكن كيف يتحول الامر فجأة بيننا ؟! , كلما تقابلنا ننسى اننا مجرد أصدقاء , و كأن روحنا عالقة بلحظات أخرى , كأن الزمن توقف عند تلك اللحظة التى تجمعنا , و كأننا نلتقى فى عالم آخر , عالم انت فيه مِلكى أنا وحدى , لا أحد يشاركنى بك , كان ذلك عالمى المفضل , لذلك كنت دائما اتشوق رؤيتك لزيارة ذلك العالم الذى تحوم به روحنا .

أصبت بالجنون , كنت فى المشفى تائهة لا ادرى فى اى زمن نحن و  لا حتى فى اى مكان , كلما سمعت اسمك أصب جم تركيزى على الكلام و اتحدث بكلمات غير مفهومة , كنت اذكر مواقف اخرى من حياتنا , كأننى انفض من عقلى مشهد الدم و حقيقة انك انت من كان مغطى بدمائه امامى .

يوم أتى الىّ صديقك ليخبرنى انك فى حالة خطرة كنت اتفوه بكلمات مبهمة ..

حسام .. اين هو ؟ , لما لم ياتى لزيارتى ؟ . كيف يعلم اننى مريضة ولم يسال علىّ , ربما كان منشغلا , او ربما قد اتته سفرية مفاجئة , و لكن اجازته بدأت امس من المفترض ان يقضى ذلك الشهر فى اجازته معى , او مشتتا بينى و بينها , و لكن لما لم يتصل بى ؟ , اهو بخير ؟

و كان رد صديقك على اسألتى المتلاحقة ايماء الشفاه و تبادل نظرات الشفقة بينه و بين الطبيب الذى يتابع حالتى , أصبت بالجنون , صدمة عصبية حادة نتيجة لرفضى الواقع الذى يجتاح حياتنا الان , فعقلى يأبى ان  يعترف بحقيقة انك مصاب بأى أذى , فقد كنا امس سويا و اليوم تفرقنا الطرقات .

افقت انت من غيبوبة دامت خمسة ايام و كسور منتشرة فى انحاء جسدك لم تتعافى بعد , لم تتحدث الى احد فقط ذكرت اسمى و لم تذكر معه اى تفسير , فقط كنت تردد اسمى بالرغم من انك لم تكن فى كامل وعيك و لكن ربما كان قلبك هو من يتحدث لانه ان تحدث عقلك سيخبرك ان تسال عليها هى و ليس عنى انا .

عندما جاءك صديقك سالته عنى و كررت السؤال اكثر من مرة

" اين هى ؟ , هل حدث شئ لها ؟! . . كيف تعلم اننى فى هذا الوضع ملقى بالمشفى و لم تاتى لزيارتى ؟؟!! كيف تعلم اننى بحاجة لها ولا تأتى الىّ ؟! , اعتادت ان تشعر بى دون ان اتحدث , لا تغفل عيناها و انا مستيقظ ابدا , لا تفعل شيئا إلا و أخبرتنى به , و لا تنقضى اجازة إلا و كانت هى الوحيدة التى اتتوق شوقا لرؤيتها , كانت هى روحى التى تنبض فى تلك الحياه , هل حدث شيئا لها ؟ , هل هى بخير ؟ , اجبنى ؟ "

عندما علمت انه اصابنى مس الجنون اخذت تصرخ , كنت مُصر على ان ترانى , اردت ان تاتى الىّ , كنت تتحدث فى همجيه شديدة تصرخ بكل من حولك و لا تستمع لاحد , اما انا فقد رفضت ذلك الواقع و عدت للخلف بذاكرتى و حذفت مشهد الدم منها , كنت انتظرك ان تاتى من اجازتك فاستقبلك بباقة الورد و قطع الحلوة التى اعدتها خصيصا لك , كنت انتظر ان تضغط على يدى و تحتضنها كانك تخبرنى انك بخير و تطلب منى ان اعتنى بنفسى فى غيابك , كانت لمستك لاصابعى اخر مرة منذ ثلاثة اشهر تقريبا , قبل ان تسافر مباشرة كنت اودعك فى موقف الاتوبيس , حملت يدى بين كفيك و ضغطت عليها و انت تنظر فى عينى , اخبرتنى انك تحبنى , اخبرتك انى ساظل احادثك حتى تصل الى موقع عملك كنت تطلب منى ان اذهب الى النوم و لكن كيف انام و انت ما زلت مستيقظ , كيف ينام جسدى و روحى معلقة بك ؟

فى اليوم التالى جائنى صديقك , اخبرنى انك بحاجة لرؤيتى , اخبرنى انك فى المشفى , لم اصدقه , اخذت اصرخ و اصرخ , وضعت يدى على اذنى و انتفض جسدى فى فزع شديد , كنت اردد كلمات ارعبتنى و جعلت دموعى تنهمر بغزارة .

" انه بخير , لم يحدث له شيئا ,  و لكننى رايته و هو غارق فى دمائه , لا لم يصبه شيئاً ! , هو بخير , لا ليس بخير ,  كيف يعلم اننى هنا مريضة و لم يأت لزيارتى , لم يتصل حتى بىّ ؟ , كيف ؟؟!! , اعتدنا ان نتصل ببعضنا يوميا , حتى حينما يكون منشغلا جدا يرسل إلىّ رسالة نصية يخبرنى انه بخير,  مر اسبوع و لم يتصل بىّ , اصابه مكره .. من المؤكد اصابه مكروه . لا لا , لم يحدث له شيئا . "

أخذت أصرخ و أصرخ و لا أعلم ما اتفوه به , هل انت بخير و خيالى هو من نسج مشهد الدم , أم ان ذلك حقيقة و عقلى يرفض أن يصدقها , قلبى لا يتحمل حقيقة انك بعيد عنه .

اصطحبنى صديقك و ابى اليك , أخبرونى انك تنتظرنى فى نفس المكان عند موقف الاتوبيس , و لكنهم اخذونى الى مستشفى , بمجرد ان وصلنا الى تلك المستشفى تيبس جسدى , وقفت و ارتعش جسدى " لما يحملانى إلى هنا ؟! , فأنت تنتظرنى , من المؤكد انك وصلت الى القاهرة الأن " , اخذت أصرخ و انا اتشبث بذراع والدى , اخبرنى انك بخير و لكنك تريد رؤيتى , كنت كالتائهة , وجدت والدتك تقف أمامى , أخذت تنظر إلىّ متعجبة من تصرفاتى , كنت غريبة الاطوار , عندما سَألتنى عن احوالى لم اجبها كما يجب , قلت لها " حسام سياتى اليوم , تحدث معى صباحا و اخبرنى انه على وشك الوصول الى القاهرة , ساذهب لانتظاره , اريد ان اكون اول من يراه " .

و بعدما اخبرها صديقك بما حدث لى و ان الجنون اصابنى انهمرت دموعها على حالى و حالك , لم تكن تتوقع اننا نحب بعضنا الى هذا الحد , كنا نكابر و نقول اننا مجرد صديقين فقط و ما تخفيه قلوبنا يختلف تمام عن واقعنا كان كل منا يملك حياه خاصه به , انا مع وحدتى و دراستى و حياتى و انت بين عملك خارج القاهرة و خطيبتك و عائلتك , و كنا اصدقاء , فقط اصدقاء و لم يعترف اى منا بحبه للاخر , و لكن عندما تحدث القلب تحدث بما لا تهواه العقول .

حملت نفسى و دخلت الى غرفتك , كنت نائماً و هناك انابيب صغيره شفافة متصلة باوردتك , اقتربت اكثر , لا اعلم كيف شعرت بوجودى فنظرت الىّ و ابتسمت , وجدتنى القى بفسى فى احضانك , اخذت ابكى و انا اتفوه بكلمات غير واضحة , رفعت راسى و وضعت يدك على فمى , اخبرتنى ان اصمت , لا حاجة للكلام الان فقلوبنا وعيوننا تتحدث , تحسست وجهك كاننى أراك للمرة الأولى , ثم ساد الصمت بيننا , فقط تلك النظرات التى تعبر عن كل شئ , و الدموع التى تنهمر من عينانا كأنها تخبرنا انها مجرد لحظة و ستنتهى عاجلاً ام آجلاً .

ما أصعب الحب حين يصبح الاعتراف به شيئا مستحيلا , و لكن ربما تعترف القلوب بما لا تهوى العقول  
مرت ايام و تعافيت انت و اعدت انا الى صوابى , اخبرتك ان كل شئ يجب ان يعود كما كان , انت تعود الى حياتك و انا اعود الى حياتى , و نعتبر ما حدث مجرد مس جنون ..

فهذه هى حياه الواقع التى نعيشها , و انا لن ارضى ان اظلمها معى و لن اظلمك , نعم احبك و ربما تكون المرة الاولى و الاخيرة التى ساعترف لك باننى اعشقك,  و لكن الحب لا يعنى الانانية , يكفينى ان اراك سعيدا و مرتاحا فى حياتك و ساكون سعيدة .


هكذا هيا حياتنا مجرد لحظات جنون , لقاءنا جنون و قربنا جنون و حبنا جنون , حتى فراقنا مجرد مس جنون 

حنان محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق