الحلقة الثالثة :
* * * * * *
و لكنه ذلك اليوم الذى وقعت مغشيا عليها فى احد اركان النادى , لم تكن
تقف وحيدة بل كان بصحبتها بعض الفتيات , ثم جاء حسن و ماجد و وائل , و أخذت اصوات
الجميع تتعالى و الدموع تسيل على وجه حسناء , فقد ظلت تتطلب منهم ان يصمتوا , ظلت
تكرر كلمة " كفى " و تضع يديها على اذنيها .
حسناء : كفاية , بس يا حسن , خلاص ...
و هنا وقعت مغشيا عليها ...
حسناء : كفاية , بس يا حسن , خلاص ...
و هنا وقعت مغشيا عليها ...
انه ذلك اليوم الذى شعرت بقبضة روحى , كأن كل كيانى سلب منى , لا أقوى
على ان اراها امامى و لا استطيع ان احادثها , و إن تحدثت اليها لا تجيب , أأنا
السبب فى كل هذا الالم ؟ , انا السبب فى الالم و انا من يتألم , احساس مروع ,
اتمنى ان اسمع صوتها مرة اخرى , ذلك الصور الذى يثيرنى , و يبعث فى جسدى لذة
الاشتياق , آآه يا حبة الفراولة , كم اشتقت اليك لتضمينى بين احضانك , كم اشتقت
للمسات متبادلة بين عينانا .....
* * * * * * * *
حياة المكتب قد تكون مملة للبعض , و لكنها من المؤكد ممتعة بالنسبة
لحسناء , فهو حلمها الذى لطالما ارادته , يتعجب البعض من حماسها الشديد بالعمل ,
فالبعض يتمنى ان تنتهى ساعات العمل حتى يرحل و يخرج الى حياته , اما حسناء فهى
تحزن جدا بعد اانتها تلك الساعات التى تعتبرها قليلة جدا فى العمل , فلكل شخص
اتجاهه و الذى يختلف برغم توافق الظروف , و الانسان الناجح هو الذى يحول ذلك
الحماس و الشغف الى عمل .
تجلس حسناء على مكتبها , و يمر حسن امامها , يسير قليلا ثم يعود
ادراجه الى الوراء
حسن : هاى , عاملة ايه ؟
حسناء : هاى , تمام الحمدلله , و انت عامل ايه ؟
حسن : تمام الحمدلله , ايه اخبار الشغل ؟
حسناء : تمام , شغالة اهو .
حسن : مرتاحة هنا ؟
حسناء : جداا :)
حسن : واااو , شكلك بتحبى الشغل اوى
حسناء : اه , صراحة آآه , بحب الشغل جدا
حسن : دى حاجة كويسة جدا , و هتفيد الشركة .
حسناء : يا رب
حسن : احنا ما اتعرفناش كويس المرة اللى فاتت , انتى عارفة انى بشتغل
ف الشركة هنا من سنتين صح ؟
حسناء : لا , بس يا بختك , بقالك سنتين هنا , اكيد استفدت كتير جدا من
انك شغال ف شركة زى دى ؟ , يعنى مجرد الخبرة الى هتكتسبها ف سنتين حاجة روعة .
حسن : ههههههههههه هو ده اللى بتفكرى فيه الخبرة اللى اكتسبتها ؟ , بس
عموما انا اكتسبت خبرة كتير اوى , و يكفى انى وصلت لمجلس الادارة .
حسناء : واو , يعنى انتى تعتبر مديرى بقي ؟
حسن : حاجة زى كدة , من غير تكليف , ممكن تقوليلى استاذ حسن :D :D
حسناء : هههههههههه يا سلام عالتواضع
حسن : امال ايه يا بنتى لازم نستغل بقي انك جديدة هنا , عموما انتى
هتحبى الشغل هنا جدا , مش هعطلك اكتر من كدة , انا هشرب قهوة تشربى معايا ؟
حسناء : مممممممم , طيب .
حسن : خلاص هطلب قهوة , قهوتك زيادة صح ؟
حسناء : مظبوط
حسن : تمام , عن اذنك .
يتركها حسن بابتسامة غارقة على وجهها , تحاول التركيز مرة اخرى فى
العمل و لكن سرعان ما يصل و هو يحمل كوب القهوة , يتركه بجانبها على المكتب , و
يعود الى مكتبه مودعا اياها بابتسامة غريبة , كانها ابتسامة اعجاب , او ربما تكون
بدأ صداقة .
تعود حسناء الى منزلها ذلك اليوم و هى فى قمة سعادتها , فقد مدحها
المدير اليوم و رئيسها المباشر ايضا , و تنبأ لها بمستقبل مشرق فى تلك الشركة ,
كما انها تحدثت الى حسن , و نشأت بينهم محادثات تحتوى على الدعابة فى كثير من
الاحيان , فقد اصبحا شبه صديقين حميمين يمزحون سويا .
و بالرغم من انها غالبا لا تكتسب صداقات سريعة و لكنها لم تتمسك بتلك
القاعدة مع حسن , فوجدت فى التعامل معه دافعا قويا لان تتعرف عليه اكثر و ان يصبحا
صديقين او ربما اقرب من ذلك .
تدلف حسناء الى غرفتها , و تلقى بنفسها الى السرير و تنظر مليا الى
السقف , غارقة فى التفكير لم تشعر انه قد مضى وقت على جلستها هكذا , حتى قطع ذلك
التفكير دخول أخيها أحمد , فقد طرق على الباب كثيرا و لكنها لم تنتبه .
احمد : حسناء ...
حسناء : احمد .. انت هنا من امتى ؟؟
و تحركت من مكانها و ذهبت فى اتجاه فطبعت قلة صغيرة على وجنتيه مع
كلمة " وحشتنى "
احمد : ايه يا حسناء بخبط عليكى من بدرى !!
حسناء : معلش يا احمد بقي , جيت منالشغل و تقريبا محستش بنفسى و نمت
احمد : لحقتى تنامى يعنى انتى بقالك نص ساعة بس
حسناء : الله , معلش بقي , و بعدين ما تاخدنيش ف دوكة يا استاذ ,
مجبتش ليه حسناء الصغيرة معاك ؟
احمد : ما انتى عارفة بقي بيبقي صعب عليا اوى انى اجيبها معايا و كدة
, و بعدين ما تيجى انتى تقضى يوم معانا هناك و لا مش عايزة يعنى تجيلنا ؟
حسناء : ما انت عارف بقي يا احمد بدأت الشغل وكدة .
احمد : كل ده عشان اللى حصل بينك و بين وفاء ؟
حسناء : انت عارف ان الموضوع ده مش ف دماغى اصلا , انا هتعامل مع وفاء
كويس جدا ف اى وقت .
احمد : امال ايه ؟ , انا عارف ان الموقف اللى حصل ده رخم اوى , و انا
هزأتها عليه .
حسناء : يا حبيبى و الله ما متضايقة من الموضوع ده , انا بس عشان
الشغل وكدة ومش هينفع اسيب ماما لوحدها .
احمد : انا هاجى اخدكوا من هنا يوم الخميس , تباتوا عندى و ارجعكوا
الجمعة .
حسناء : مش هينفع يا احمد , خليها الاسبوع اللى وراه ماشى ؟
احمد : آآه لو اعرف اللى ف دماغك يا سنسن , بس ماشى الاسبوع اللى وراه
هاجى اخدكوا من هنا .
حسناء : خلاص ماشى , ربنا يسهل ان شاء الله , المهم قولى بقي انت عامل
ايه مع وفاء ؟
أحمد : تمام ..
حسناء : فى ايه ؟؟ , احكى
احمد : مفيش حاجة ... عادى
حسناء : احمد ... انا عارفاك كويس و عارفة انك نزلت القاهرة دلوقتى و
اكيد فى حاجة , فى ايه بقي ؟
احمد : انتى الوحيدة اللى بتقدرى تعرفى مالى من غير ما اتكلم
حسناء : مممممم يعنى كلامى صح , فى ايه بقي ؟ مالك ؟
احمد : العادى , اتخانقت مع وفاء .
حسناء : ليه ؟
احمد : بتكدب عليا يا حسناء , اكتشفت انها بتاخد حبوب منع الحمل مع
اننا اتفقنا اننا خلاص عايزين نجيب بيبى تانى , يعنى خلاص حسناء كبرت و بقى عندها
خمس سنين , و انا مش هستنى اكتر من كدة لم اعجز يعنى عشان اجيب طفل تانى ولا ايه ؟
حسناء : طيب انت سألتها عن السبب ؟ , اكيد فى سبب انها بتاخد الحبوب
دى ؟
احمد : ايه السبب اللى يخليها تخبى عليا ؟
حسناء : طيب انت عملت ايه لما عرفت ؟
احمد : واجهتها و زعقت معاها و سيبت البيت ومشيت .
حسناء : طيب وده ينفع اصلا ؟ , انت حتى ما اتكلمتش معاها و عرفت وجهه
نظرها , انت غلطان يا احمد , ايا كان اللى حصل اكيد هيا شايفة حاجة انت مش شايفها
, ينمكن هيا ما قالتلكش على السبب عشان ما تتضايقش مثلا , بس هيا اكيد عندها سبب
مقنع , اتكلم معاها يا احمد , افهم وجهه نظرها و ابقي جمبها مش تسيبها و تمشى ,
الهروب من المشاكل عمره ما هيحلها .
نظر لها أحمد نظرة اعجاب ممزوجة بابتسامة خفيفة تدل على الاستغراب .
احمد : بالرغم انك اختى الصغيرة بس اوقات كتير اوى بحس ان عاقلة اكتر
منى , خصوصا ف المواقف دى , و بالرغم المشاكل اللى بينك و بين وفاء الا انك لسة
بتدافعى عنها , ربنا يخليكى ليا يا حسناء .
حسناء : و يخليك ليا يا احمد , يالا بقي انتا هتنسبنى الغدا و لا ايه
؟ , انا هموت من الجوع , فين ماما ؟
احمد : هههههههههه طيب يا ستى , انا اصلا قولت لماما ما تعملش حاجة ,
هنطلع ناكل برا , بس كنا مستنينك .
حسناء : ايوة كدة بقي يا احمد, انا بقالى كتير اوى ما طلعتش اكلت برا
اصلا , ثوانى هغير هدومى و ننزل .
احمد : طيب ماشى .
* * * * * * * *
هالة تجلس مع حسن فى احد المطاعم .
هالة : فاكر يا حبيبى اول يوم اتقابلنا فيه ؟
حسن : مممممم
هالة : ايه ده ؟ , حد ينسى يوم زى ده ؟
حسن : انا مش فاكر اكلت ايه امبارح يا هالة .
هالة : ايوة بس محدش بينسى اهم يوم ف حياته يا حبيبى
حسن : معلش , المهم ان انتى فاكراه عشان تفكرينى بيه , صح ؟
هالة : ممممم , اضحك عليا بكلمتين بقي .
حسن : يا حبيبتى انا فعلا مش فاكر اى حاجة , و انتى عارفة انى جيت
معاكى النهاردة عشان ما تزعليش , مع انى رجعت من الشغل تعبان اوى , و كمان لسة
عندى شغل بليل .
هالة : يعنى انت بتحاسبنى عشان طلبت انى اشوفك ؟ , خلاص يا حسن يالا
بينا نمشى لو متضايق ؟
حسن : بردو ؟ , انا ما قولتش انى متضايق خالص , انا بس تعبان ومحتاج
اك تقدرى ده , انى بشتغل كل ده عشانك , عشان نتجوز .
هالة : يا حسن بيتهيالى ان اللى معانا يكفى اننا نتجوز , و لا ايه ؟
حسن : انتى عارفة كويس اوى انه مش طموحى انى اتجوز و اشتغل و الفوس
تبقي على اد المصاريف وخلاص , انا عايز احقق حاجات كتير اوى , و انتى عارفة كدة
ولا ايه ؟
هالة : طيب ممكن تهدا ؟؟ , انت بتتعصب ليه دلوقتى ؟؟
حسن : خلاص يا هالة مفيش حاجة . يالا بينا عشان انا تعبان و عايز انام
شوية قبل ما انزل بليل , ممكن ؟
هالة : طيب يا حبيبى , يالا بينا
..
تخرج هالة تنتظر فى السيارة حتى يدفع حسن الحساب , يخرج بعدها حسن و
لكنها يصادف حسناء عند باب المطعم فيقف ليسلم عليها
..........
* * * * * * * *
فى المستقبل ..
و لكنه ذلك اليوم الذى وقعت مغشيا عليها فى احد اركان النادى , لم تكن
تقف وحيدة بل كان بصحبتها بعض الفتيات , ثم جاء حسن و ماجد و وائل , و أخذت اصوات
الجميع تتعالى و الدموع تسيل على وجه حسناء , فقد ظلت تتطلب منهم ان يصمتوا , ظلت
تكرر كلمة " كفى " و تضع يديها على اذنيها .
حسناء : كفاية , بس يا حسن , خلاص
...
و هنا وقعت مغشيا عليها .........
يتم نقل حسناء الى المستشفى بعد ان تفشل محاولاتهم لافاقتها . ينتظروا
كثيرا حتى يخرج البهم الطبيب و يخبرهم انها ستظل تحت المراقبة فى المستشفى بضعة
ايام , فقد دخلت فى حالة من الصدمة لم يتم التاكد من اثرها بعد , لم يعلم حسن بعد
ما الكلام الذى قالته هالة لـ حسناء حتى يحدث كل ذلك , و لم تلقى اللوم عليه هو ,
لما ترفض ان يزورها او ان يتحدث اليها , حتى هالة تأبى ان تخبر حسن بما حدث , فغضب
عليها و لم يتحدث اليها بسبب ما حدث لـ حسناء
..
ثلاثة اسابيع تمر و حسناء على تلك الحالة , و مازال حسن يتذكر اول يوم
يدلف الى غرفتها ,
حيث انتفضت حسناء بقوة , و تحركت من السرير و اخذت تصرخ به , مستنجدة
بـ ماجد صديقهما .
حسناء : ماجد خليه يطلع برا , انا مش عايزة اشوفه , قوله يمشى من هنا .
حسن : حسناء , اهدى شوية يا حبيبتى , انتى ليه بتعملى كدة ؟؟ ,
انتى بتبعدى عنى ليه ؟
حسناء : ابعد عنى , اوعى تلمسنى
...
حسن : انتى خايفة منى انا يا حسناء ؟
ماجد : اصبر بس يا حسن , انت مش شايف حالتها ؟!
حسناء : ايوة يا ماجد , خليه يبعد عنى , انا مش عايزاه يقرب منى ,
خليه يخرج من حياتى , مش احنا اصحاب و اخوات ؟؟ , مش انا اختك ؟ , خليه يبعد عنى
لو بتعزنى بجد ابعده عنى .
و سرعان ما اصدرت صرخة دوى صداها فى ارجاء المستشفى بمجرد ان وضع حسن
يده على كتفيها , فاخرجهما الطبيب من الغرفة سريعا بعد ان حقن ذراعها بمهدا قوى
جعلها تسترخى فى خلال دقائق و تذهب الى اللا وعى .
علم حسن بعدها ان تلك الصدمة أفقدتهاالقدرة على النطق , او ربما هب من
يأبى الكلام بمحض ارادتها .
كانت تلك اللحظات التى تذكرها حسن وهو فى طريقه الى المستشفى , فبعد
مرور ثلاثة اسابيع قرر ان يعيد المحاولة مرة اخرى , و ان يذهب اليها مرة اخرى ,
فلم يعد يقوى على الابتعاد عنها .
أمام باب المستشفى , تتوقف السيارة و ينظر له ماجد
ماجد : متأكد انك عايز تدخلها ؟؟
حسن : وحشتنى اوى , عايز اشوفها .
ماجد : بس اللى حصل المرة الى فاتت مايطمنش يا حسن , عشانكوا انتوا
الاتنين
حسن : هجرب يا ماجد , هجرب ...
ماجد : طيب , على راحتك .
يصعدان الى غرفتها , و يطرقان الباب , و بمجرد دخولهما الى الغرفة ,
تنتفض حسناء و يتشنج جسدها و تذهب الى احد اركان الغرفة متشبثة بالستارة المعلقة ,
و يتخشب جسدها و تتسع حدقتى عينيها .
يقترب منها حسن , فتصرخ مستنجدة بـ ماجد .. تبكى كثيرا , و ما زال حسن
مصرا على الاقتراب منها , يحاول ان يضع يده على كتفيها و لكنها اخذت تحرك يداها فى
الهواء ليبتعد عنها , كطفلة صغيرة تغرق فى مياه بحر عميق فأخذت تجدف بيدها فى
حركات غير منتظمة , مجرد احساسها انها ستنجو هو مجرد احساس حسناء بانها ستبعد حسن
عنها , تبدأ فى اصدار ضربات متتالية على كتفه حتى يبتعد و لكنه ما زال مصرا على ان
يظل قريب , كان يريد ان يحادثها
حسن : حسناء , انتِ ليه بتبعدى عنى ؟ , انا حسن حبيبك , صح ؟ , على
الاقل ردى عليا , عايز اسمع صوتك , انتى بتعاقبينى على ذنب انا مش عارفه ؟
مازالت حسناء تأبى الكلام , و لكنها ابتعدت عن ذلك الركن و ذهبت فى
اتجاه ماجد , فطمست وجهها خلفه خوفا من حسن ......
يتبع ....
حنان محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق