الأربعاء، 21 مايو 2014

حبة الفراولة #1

الحلقة الاولى
* * * * * 
" أفاق دانتى من غشيته أمام عذاب فرنتشسكا و باولو , فوجد نفسه فى الحلقة الثالثة , حيث المطر و البرا يهطل فوق المعذبين الذين ارتكبوا خطيئة الشره و النهم , رأى دانتى تشيربيروس الوحش ذا الرؤوس الثلاث - رمز الشره و النهم - و هو يعوى فوق رؤوس المعذبين و يمزقهم و يلتهمهم . و عندما رأى الوحش دانتى كشر انيابه , و لكن فرجيليو ملأ أفواهه الفاغرة بحفنة من أديم الارضى . و فى أثناء مرور الشاعرين فوق الاشباح المغمورة فى مياه المطر , نهض شبح تشاكو المواطن الفلورنسى الذى اشتهر بـ ...... " 

و فى تلك اللحظة ترفع عيناها من على كلمات ذلك الكتاب بسبب ذلك الصوت المزعج الذى يأتى من الشقة المجاورة , تتأفأف و تضع الكتاب جانبا و تخرج الى الصالة , تنظر الى الساعة المعلقة على الحائط و تنظر فى الساعة بيدها , ثم تعود مرة اخرى الى حجرتها و تحمل الحقيبة و تغادر المنزل سريعا . 

تقف عند باب الشركة , و تنظر مليا الى تلك اللافته ثم تنظر الى السماء و تقول " يا رب " . 

" حسناء الاسم و الشكل , بالغة راشدة و لكنها ما زالت طفلة , قمحية البشرة و عسلية العيون , شعرها اسود مموج كجريان النهر , ليست بالطويلة و لا لقصيرة ولكنها مؤكد ممشوقة القوام حاليا , فقد كانت منذ فترة ليست ببعيدة بدينة قليلة , متحمسة للحياه بدرجة كبيرة جدا , غريبة الشخصية , فهى لم تقضى طفولتها فى اللعب و المرح كبقية الاطفال , و لكنها قررت ان تقضى طفولتها بين كلمات الكتب و الروايات , ثم بين صفوف الدراسة و الامتحانات , مجتهدة منذ صغرها , كانت تحلم بأن تكون شخصية مهمة فى المجتمع , و دائما  كانت تحلم بان تجرب عمل المكاتب , ان تجلس خلف المكتب و تباشر عملها فى وقار , كانت ترى ان عمل المكاتب يحوى وقار ليس باى عمل آخر , ربما ذلك بسبب النظرة التى تكونت عندها عن ذلك العمل من كونه ( بدلة و جرافته ) , هي نفسها لا تعلم سر حبها و شغفها بذلك العمل . و اليوم هي على عتبه حلمها , فقد تدخل الى عالم البيزنس اليوم , فهى لم تعد صغيرة بعد الان , اتمت عامها الثالث و العشرين , و تقدمت للعمل فى شركة كبيرة من تلك الشركات التى غالبا ما يكون التعيين بها بـ " الواسطة " و لكنها تحدت ذلك المنطق و تقدمت الى العمل راجية ان تحصل عليه بمجهودها الشخصى . 

* * * * * * * * * * * 

فى ركن من اركان المكتب يجلس حسن و تبدو على وجه ملامح الغضب , اخذ يتحدث بصوت مرتفع ثم ضرب بيده على المكتب حتى وقع فنجان القهوة الذى بجانبه , جلس قليلا ثم تمتم بكلام غير مفهوم و خرج من المكتب متجها الى غرفة المكتب التى امامها , اخذ علبه السجائر من على المكتب و خرج فى عصبية شديدة . 

وقف عند الشرفة و اخذ يدخن السجائر حتى شبعت انفاسه من ذلك الدخان البغيض , فى تلك اللحظات كانت حسناء تراقب الموقف من بعيد و تتظاهر انه لا يشغلها , بالرغم من فضولها الشديد لمعرفة ما حدث و من هذا الشخص ؟ , كان الفضول غريب جدا . فهى نادرا ما تركز على تصرفات شخص ما هكذا , و خاصة انها لا تعرفه , و لكن هناك شيئا غريبا آثار فضولها لمعرفة كل شئ عنه , حتى ان نظراتها ظلت متعلقه به , بالرغم من انه شخص عادى الملامح ليس بغريب عن الاشخاص فى تلك الشركة , و لكنه بالتأكيد مختلفا فى كونه مثير للاهتمام , كما انه جذاب بعض الشئ , ربما اعجبتها هيئته التى امتزجت بتصرفاته الرجولية فنتج عنها وسامة و جاذبية الى ابعد الحدود , او ربما تلك البدلة التى كان يرتديها , فدائما ما يثيرها الرجل الذى يرتدى بدلة سوداء , و لكن كل من بالشركة يبدون مثله .

مكان جديد و اناس مختلفون عمن قبلهم , حياه تبدأ برسم كلماتها فى لوحة خاصة بى انا فقط , لن يتحكم بها احد سواى , لم اصدق اننى حصلت على ذلك العمل , و لكنى بالفعل اصبحت الان اعمل بتلك الشركة , احساس رائع ان ترى احلامك تتحقق امامك , انا الان بدأت اولى خطوات تحقيق الحلم . لا بل تحقيق الواقع . 

تدلف حسناء الى منزلها و هى فى قمة السعادة , تركض الى المطبخ حيث والدتها , تبدأ فى تقبيلها بقوة و احتضانها 
حسناء : اتعينت يا ماما .. اتعينت
سامية : الحمدلله يا بنتى , ربنا يكرمك يا رب 
حسناء : يا رب يا ماما , ادعيلى , انا لسة الطريق طويل اوى قدامى . 
سامية : ربنا يوفقك يا بنتى و يجعلك ف كل خطوة سلامة 

تدخل الى غرفتها و تغلق الباب , و تلقى بنفسها امام شاشة اللاب توب , و بالطبع كأى فتاه مصرية فى القرن الحالى , تكتب كل ما تشعر به فى Statue على FaceBook , و غيرت مكان العمل الى مقر عملها الجديد بشركة الاتصالات . 

فى كافيتريا فى احد ضواحى القاهرة , يدخل حسن الى المكان و يلقى نظرة خاطفة حتى يجد اصدقائه , و يتجه الى مكان جلوسهم و يجلس فى صمت دون ان يلتفت الى احد 
يقترب منه وائل صديقه و يمازحه , و هو يمد اليه يده بسيجارة 
وائل : ما خلاص بقي يا عم حسن , انت هتكبر الموضوع ليه ؟
حسن : و النبى تسكت يا عم وائل , انت مش فاهم حاجة اصلا 
وائل : يا عم انت بس اللى فاهم , بس بردو كبر دماغك يعنى 
حسن : اكبر دماغى ازاى يعنى ؟ , انت عارف كويس اوى انا تعبت اد ايه ف الشركة دى و يجوا ف الاخر يقولوا انى مش بشتغل اصلا و يروح كل تعبى ف الهوا كدة ؟
وائل : ما انت عارف بقي ان اللى اسمه حسام ده واقفلك ف كل حاجة عشان مش عايزك تترقى و ساعتها هيبقي منصبك اعلى منه و هتبقيانت المدير عليه 
حسن : اه , و طبعا استاذ فاروق مش قادر يعمل حاجة عشان خطيب بنته 
وائل : ما انت عارف ان اصلا حسام خطب بنته مصلحة , و هو اصلا ولا بيحبها و لا نيلة و بيلعب بديله كل يوم مع غيرها 
حسن : و الله انا ما عارف اصلا استاذ فاروق وافق ازاى انه يجوزه بنته 
وائل : المظاهر خداعة يا حسن , ما كلنا كنا مخدوعين فيه , يالا سيبها على ربنا , المهم عندك ان فاروق عارف انت بتعمل ايه عشان الشركة دى و عارف ان الشركة من غيرك هتوقع 
حسن : تفتكر !!
وائل : ااه يا عم , ما تقلقش , بكرة تتعدل , فكها بقي 

" حسن , شخصية طموحة بدرجة قد تفوق الطموح نفسه , ناجح جدا فى عمله بل و محبوب من كل من حوله , هو شاب قمحى اللون و اجعد الشعر , قوى البنية و طويل قليلا , يبلغ من العمر اربع و عشرين عاما , مهندم الهيئة قد تحسبه مدير لاكبر شركات مصر او ضابط شرطة , فهيئته لا تليق الا لرجل مهم جدا , تخرج فى كلية الهندسة قسم اتصالات و حاسبات , و عمل بالشركة بعد التخرج مباشرة , لم يحصل على ذلك العمل عن طريق الواسطة ,و لكن شخصيته القوية قد تجبر اى شخص على الموافقة عليه .

* * * * * * * * * * 

تجلس حسناء بجوار النافذة , بعد ان جهزت ملابسها التى ستذهب بها الى العمل فى الصباح الباكر , تحمل بين يديها كتاب " الكوميديا الالهية " لتكمل قرائته , تشعر انها بحاجة لقراءة شيئا رومانسبا , شيئا يحرك مشاعرها و يغمرها بلذه الحب . 
تبحث مليا فى مكتبتها و التى تمنحها صعوبة الاختيار نظرا لكثرة الكتب بها , فتقرر ان تغلق عيناها و تجعل قلبها يدلها على ذلك الكتاب و اخيرا تختار كتاب من بين الكتب و تفتحه دون النظر الى الغلاف حتى تكتشف ما بداخله , فهى بالطبع قد قرأت ذلك الكتاب مرتين على الاقل قبل تلك المرة 
" “لم تبخلين على بطمأنينة القلب
لم كلما تذوقت شربة من السعادة تقفين عائقا على المجرى 
لم تتسلين بانتزاع جذور قلبى من تربة عطشى اليكى 
لم تهربين باستمرار من سنارة لاهثة تخلو من طعمها 
او ربما طعمها شزرات من روحى المؤرقة 
فلم حبيبتى ؟! ... 
لم الرفض؟! ... لم الهرب ؟!.
ولم العذاب ؟!.” " 

كان ذلك كتاب ريحان للكاتب عبد الرحمن خضارى و الذى لم تنفك تقرأه مرارا و تكرار . ذهبت الى سريرها و اخذت تكمل فى قراءة الكتاب حتى غلبها النعاس فنامت .

 * * * * * * * * * * 

فى الشركة تجلس حسناء على مكتبها و هى فى قمة الحماس و النشاط للعمل , تتحرك من مكانها لتنقل بعض الفايلات فتصطدم بـ حسن ......

* * * * * * * * * * 

بعد خمس سنوات ... 
يجلس حسن بجوار ماجد .. و اخذ يفكر مليا بحديثه مع ماجد عنها ...
حبة الفراولة , كانت بالضبط تشبه حبه الفراولة , حمرة وجهها حين احادثها , ضحكتها التى تثيرنى , كقطعة الفراولة التى تشبه قبلة صغيرة على الشفاه  , ومن منا لايحب الفراولة ؟ , فجميعنا نُسحر بها , تثيرنا لنطلب منها المزيد و المزيد , قوامها فاتن حقا , كما انها كحبة الفراولة , مضادة للشيخوخة , فمعها ستشعر انك طفل من جديد ,  و تلك الحسنات الصغيرة كانت كوسام جمال يضفى جمالا على وجهها , كان هناك اثنان يزينان ذلك القمر الاحمر الوجهه , واحدة اسفل الشفاه , و الاخرى اعلى الوجه , ليكتمل وصفها بحبة الفراولة و يا له من وصف , حتى انها تتحول الى اللون الاحمر بمجرد اكلها للفراولة , كانت تعانى حساسية من الفراولة و بالرغم من ذلك تحبها , و انا ايضا احببت الفراولة لاجل خاطرها . 
كيف لا تريدنى ان احبها ؟ , لا بل ان اذوب بها عشقا , فهى انثى بكل معنى الكلمة , رقتها التى تنعكس فى كل تصرفاتها , ابتسامتها حين احادثها , تحركاتها كزهرة تتمايل مع نسمات الهواء , كل ذلك و اكثر , فوصفها لم و لن ينتهى , فهى مزيج غريب جدا من القسوة و النعومة , من الحزن و الفرحة , من الاكتراث و اللامبالاه . 

ايقظه ماجد من تلك الخيالات حينما اخبره انه سيغادر .. فنهض مودعا اياه .... 

يتبع ....

حنان محمد 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق